ترقبوا قناة الحزب الجديدة ... ترقبوا قناة الحزب الجديدة ... ترقبوا قناة الحزب الجديدة ... ترقبوا قناة الحزب الجديدة ...

د. البراري يكتب: بين ندوتين بحث فيها المنظمون عن خيار فلسطيني شرق النهر!

تزامن انعقاد ندوة طارق خوري المثيرة للجدل والتي حاول فيها وبخبث شديد اختزال عزوف الأردنيين عن المشاركة في الانتخابات بالمكوّن الفلسطيني مع ندوة أخرى عُقدت في إسرائيل شارك فيها أردنيان (مضر زهران وسامر مصطفى ابولبدة) لدعم فكرة تحويل الأردن إلى فلسطين.
 
في هذا المقال لا أدعي بأن ثمة تنسيق لعقد ندوتين تهدفان لتحقيق ذات الغرض وإنما أشير إلى السياق الذي يفضي إلى مثل هذا التزامن في طرحٍ خطر يستهدفُ الأردن بُنيةً وهويةً. والحقّ أن هذه الفكرة هي فكرة إسرائيلية بحتة شكلت الأساس لما أطلق عليه في السبعينيات بالخيار الأردني، وهو شعار تبناه حزب العمل الاسرائيلي ويستند إلى فكرة بسيطة: الانسحاب من اجزاء من الضفة الغربية وتسليمها للاردن بدلا من الفلسطينيين لقاء عقد اتفاق سلام، الأمر الذي رفضة الملك الحسين بشدة. والحق أن الخيار الأردني جاء استباقاً لفكرة حل الدولتين، بمعنى أن إسرائيل لا ترغب في منح الفلسطينيين حقهم المشروع في تقرير مصيرهم.
 
وعندما جاء الليكود للحكم في عام 1977 بدأت فكرة "الاردن فلسطين" التي كانت هامشية تزحف إلى مركز السياسة الاسرائيلية إذ أن زعماء الليكود التاريخيين من شامير الى شارون تبنوا فكرة أن الاردن هو فلسطين. وكانت الفرضية الاساسية في مقال شهير كتبه رئيس الوزراء الاسرائيلي انذاك اسحاق شامير في مجلة الفورين افيرز في عام 1988 هي أن كل ما هو مطلوب هو فقط منح الفلسطينيين حقوقاً كاملةً في الاردن وتحويل الاردن لتكون المملكة الفلسطينية الهاشمية وبعدها يجري ترانسفير للفلسطينيين من غرب النهر الى "دولتهم" في شرق النهر.
 
وكان صنّاع القرار في الاردن انذاك يرون بأن لا مصلحة للاردن في إقامة دولة فلسطينية مستقلة، غير أن هذه المدرسة التقليدية سرعان ما ذهبت ادراج الرياح بعد أن انتهت الحرب الباردة ودخل العرب مؤتمر مدريد ووقع الفلسطينيون اتفاق أوسلو الذي مثّل اعترافاً رسمياً من قبل الممثل الشرعي والوحيد للفلسطينيين بإسرائيل. وبعدها ظهرت مدرسة سياسية في الأردن تبناها رأس الدولة ترى في اقامة "دولة فلسطينية مستقلة متواصلة جغرافيا ومحادية للأردن وعاصمتها القدس" مصلحة استراتيجية اردنية.
 
انتهى النقاش والجدل محلياً واصطف الأردنيون جميعا خلف مقولة أن الشعب الفلسطيني له الحق في اقامة دولة فلسطينية مستقلة. لكن للأسف كان هناك العديد من التغييرات تعصف ببنية المجتمع الاسرائيلي ما أفضى إلى تطرف غير مسبوق، وحدث انزياح هائل في مركز السياسة في إسرائيل نحو اليمين بحيث اصبحت الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة تمثل مصالح الاستيطان والاحتلال. والنتيجة أن فكرة حل الدولتين التي كانت بمثابة الخيار الوحيد حتى للمجتمع الدولي تبخرت على نيران التطرف والاستيطان التي ما زالت عجلته تدور دون توقف.
 
هل هناك حل للدولتين؟ أشك في ذلك! لكن هل هذا يعني حل الدولة الواحدة ثنائية القومية؟ أشك في ذلك أيضا! لذلك لا بد من افكار جديدة، وهنا يبرز اليمين الاسرائيلي مرة أخرى باحثاً عن حل شرق النهر على اعتبار أنه يمكن دمج الفلسطينيين بشكل كامل بالاردن لتذويب اللاجئين توطئة لسيناريوهات كارثية أخرى تهدف إلى تحميل الاردن وزر الفائض السكاني من الصراع غرب النهر الذي سيحسم وفقا لليمين الاسرائيلي لصالح الدولة الواحدة ناقص الفلسطينيين.
 
هنا تأتي خطورة اللعب على وتر الورقة الفلسطينية داخل الأردن، فوفقا لمضر زهران وسامر ابو لبده فإن الاردن هي فلسطين، وكتب مضر زهران عددا من المقالات بصحيفة الجيروسالم بوست الاسرائيلية بهذا الاتجاه وكذلك تلقى تمويلا كبيرا من مؤسسات يهودية تهدف لتحقيق الغرض ذاته. ويضيف مضر زهران بأن لا حق للفلسطينيين في فلسطين وان حقهم فقط هو شرق الاردن الذي يحتله الأردنيون والهاشميون، هكذا يقدم افكاره ويتلقى تمويلا لترويجها وهو ما فشل به فشلا ذريعا لغاية الآن.
 
الأردنيون من أصل فلسطيني هم اردنيون وينبغى ان تناقش مشاكلهم – إن وجدت – كأردنيين، فالاردنيون جميعا يعانون من مشاكل اقتصادية وتهميش واقصاء سياسي إذ لا يحكم الأردن اردنيون من أصل أردني بل يتشارك الجميع (أو للدقة طبقة حاكمة من مختلف المنابت والاصول) في ادارة هذا البلد، ومن الظلم خلق أوهام تستفيد منها فقط القوى التي تتربص بنا غرب النهر.
 
لا تكتمل الفكرة الإسرائيلية المناهضة للأردن دون تليين الجبهة الداخلية في الأردن، وهنا تأتي ندوة السيد طارق خوري ضمن هذا السياق، وهو ربما لا يعي لخطورة ذلك – فالرجل هو رجل اعمال وليس خبيرا بالسياسة وهو وإن يظهر عداء لأمريكا فلا مشكلة لديه في اقامة البزنس حتى معها. فطروادة لم تحتل لأن أهلها تساهلوا مع العدو بل لأنهم قبلوا بحصان طروادة. وهنا أود التأكيد على ضرورة أن يتصدى جميع الاردنيين لمثل هذه الافكار المريبة والتي تأتي تحت شعارات براقة وحداثية وكأن اصحابها لا يؤيدون انظمة شمولية تقوم بقتل شعبها!
 
لكن بالمقابل لا يمكن تصليب الجبهة الداخلية إلا باصلاحات حقيقية في دولة مدنية ديمقراطية تكون فيها المواطنة أساس العلاقة بين الدولة والفرد. فطارق خوري محق بأن هناك عزوف في المشاركة في الانتخابات، وكُتب عن ذلك الكثير حتى قبل أن يولد طارق خوري، لكن العزوف يشمل كل شرائح المجتمع الأردني ولاسباب وطنية كثيرة تهم الجميع وليس مكوّنا دون غيره. وكان من الممكن بحث مشكلة العزوف بشكل موضوعي، وهو بالمناسبة موضوع أكاديمي لكن بحثه استجابة لاجندات سياسية لا تنفع أي أردني، والانكى أن هذه النخب لا تمثل من تدعي بأنها تمثله.
 
القاسم المشترك بين الندوتين هي أن المنظمين يبحثون عن خيار فلسطيني شرق النهر. فالجانب الاسرائيلي الذي يستعين بامثال مضر زهران وسامر ابولبده يريد تصفية مشكلة إسرائيل الديمغرافية على حساب فلسطين والأردن معا في حين يسعى طارق خوري إلى محاصصة – نعرف مبتدأها وخبرها – أو إلى إذكاء مشاكل داخلية خطرة لانها تأخذ طابعا هوياتياً. هذه مشكلة الليكود الفلسطيني في الأردن وهم أقلية لا تتجاوز حمولة باص كوستر لا يمكن أن يقبل بها الاردنيون وبخاصة وأن الدول والمجتمعات التي سمحت باذكاء الصراعات الهوياتية تفتت. وحري بنا ان نلاحظ أن هذا الخط الخطر تنقصه السردية ورموزة يفتقدون للكاريزما.