ترقبوا قناة الحزب الجديدة ... ترقبوا قناة الحزب الجديدة ... ترقبوا قناة الحزب الجديدة ... ترقبوا قناة الحزب الجديدة ...

د. البراري يكتب: هل تشكل السياسات السعودية خطرا على الأردن؟

سأجيب في هذه العجالة عن سؤالين مترابطين هما: هل هناك علاقة تبعية بين الأردن والسعودية وإذا كان نعم فما هو العائد أردنيا؟ والسؤال الثاني والأخطر بتقديري مرتبط بالسياسات السعودية تجاه إسرائيل وفيما إذا كانت تشكل خطراً على مستقبل الأردن بعد أن كثر الحديث عن تطبيع محتمل بين الرياض وتل أبيب توطئة لتحالف إسرائيل "سني" تقوده السعودية لمواجهة التهديدات الإيرانية.
عبثا يتمسك الكثير من الاردنيين بالتحالف مع السعودية أو بالتبعية لها لعلها تفتح خزائنها بسخاء كما تفعله مع الولايات المتحدة والفاضلة ايفانكا ترامب، ووصل حد التمسك بقشة السعودية أن تم تعيين الدكتور باسم عوض الله مبعوثاً خاصاً في السعودية، وهو أي عوض الله لم ينجح في مهمته وفقا لمعيار العائدة بالنسبة للأردن، وبالفعل يشكك العديد من الاردنيين (من بينهم كاتب هذه السطور) من جدوى تعيين باسم عوض الله مبعوثاً خاصاً في وقت يصعب فيه الاشارة إلى عائدة واحد قابل للقياس ويلمس أثره المواطن الأردن العادي.
فجأة ومن دون سابق إنذار قامت السعودية بقطع العلاقات مع قطر، وحشدت لهذه الخطوة غير المسبوقة كل من الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين ومصر. وبصرف النظر عن المبررات لمثل هذه الخطوة وفيما إذا كانت التهم الموجهة لدولة قطر صحيحة أم لا فإن الأردن استجاب لضغط من الرباعية المقاطعة (بكسر الطاء) وقام بتخفيف مستوى العلاقات مع قطر. وفُسرت هذه الخطوة الأردنية بأنها انحياز للرباعية غير أنها لم تصل إلى حد التحالف ضد قطر، وربما لا تكترث الحكومة الأردنية كثيرا بتفسير الدوحة لهذه الخطوة، فليس هناك ود بين عمان والدوحة لينقطع، والأخيرة ايضا رفضت الالتزام بحصتها في المنحة الخليجية وتبدي سلوكاً غير ودي تجاه عمان كلما لاحت الفرصة، لكنها أي قطر لا تعادي الأردن وتقيم علاقات طبيعية وتفتح اسواقها للبضائع الاردنية من دون شروط وكذلك يحصل الأردنيون على وظائف في قطر من دون عوائق.
وبعيداً عن قطر والسعودية واختلاف مقاربتهما الخارجية ازاء الكثير من الملفات الاقليمية كان على الحكومة الأردنية أن تفكر بخيار ثالث غير خيار الانحياز الخجول. والراهن أن الدول المتصارعة في الأزمة الخليجية منخرطة حتى أخمص قدميها في مسألة تمويل التنظيمات المتطرفة والمصنفة ارهابية وعلى رأسها جبهة النصرة الارهابية، ولا يحتاج الأمر إلى أدلة دامغة إذ يكفي للمراقب أن يتابع الثورة السورية ودخول دول الخليج على خطها، وهذا الأمر ينطبق على أنقرة أيضا التي استثمرت كثيرا في العلاقة مع المتطرفين بغية امتلاك أوراق تمنحها التأثير في مستقبل الأزمة وهو رهان ارتد على أنقرة التي اعادت موضعة نفسها وأصبح أقصى أمانيها منع تكون جيب كردي مستقل!
الأردن هو الدولة التي لا يمكن اتهامها بالتورط في تمويل أو دعم الارهاب، وهي تحظى بإعجاب الشرق والغرب على عكس دول الأزمة التي لم تنقع اموالها واعلامها في خلق صورة ناصعة عنها وبقي اتهامها بتمويل الارهاب مسالة اجماع المجتمع الدولي، ويكفي هنا القاء نظرة سريعة على كبريات الصحف الغربية ذات المصداقية للتوقف على صورة الدول الخليجية الرئيسة وارتباطها بالتنظيمات المتطرفة. وكانت هناك فرصة ليقدم الاردن نفسه كنموذج مختلف يستحق دعم المجتمع الدولي، فالأردن دولة مسالمة وعنصر استقرار، وأكثر من ذلك هو واحة الاعتدال في صحراء التطرف، فالتطرف موجود في كل الدول المحيطة وعلى رأسها طبعا إسرائيل التي اكتوينا بنيران سياساتها التوسعية.
لا أعرف لماذا لا تفكر الحكومة الأردنية في استثمار أزمة الخليج (كما تفعل ايران وتركيا مثلا) والبدء بتسويق الأردن والتركيز على ميزته النوعية في الاقليم بحيث تصبح مساعدة الأردن مسألة تصب في مصلحة المجتمع الدولي بدلا من انتظار "سخاء" سعودي، كل ما يحتاجه الأمر هو الاشتباك مع الغرب، فالأردنيون يمتلكون مهارات أفضل بكثير من نظرائهم الخليجيين في اللغة الانجليزية وفي معرفة الغرب، والملك عبدالله يمثل عنوان الاعتدال عند الغرب والملكة رانيا تمثل وجها نسائياً يعكس صورة تقدمية لما ينبغي أن تكون عليه المرأة وهو أمر تفتقده الدول التي ينحاز لها الأردن، ناهيك عن الباحثين الأردنيين والاكاديميين المنخرطين أصلا في علاقات عمل مع مؤسسات غربية، وهذا يتطلب موازنة خاصة ومتواضعة ضمن خطة وطنية مدروسة لكن عائدها سيكون كبيرا.
أحد الساخرين تواصل معي عن الثمن الذي يمكن أن يقبضه الاردن لقاء انحيازه للرباعية واجبت بأنني لا أعرف، فالسعودية على سبيل المثال لا تقدم مساعدات للأردن إلا بالقطارة، فسخاؤها مع الرئيس ترامب وايفانكا يغيب تماما عندما يتعلق الأمر بالأردن، وحتى حديث الأردنيين عن مساعدات واستثمارات سعودية بأربعة مليارات دولا تبخرت على نيران واقع مرير يؤكد المرة تلو الأخرى بأن الشقيقة السعودية لا تأخذنا على محمل الجد وكأننا في جيبها الصغير مع أن الأردن بعلاقاته ومركزيته الاقليمية وبخاصة في الصراع مع إسرائيل أكبر بكثير من أي يوضع في جيب أحد.
وليت الأمر يتوقف عند عزوف السعودية عن مساعدة الاردن، فالرياض تقترب من تل أبيب بخطى متسارعة وهناك ما يشي بأن القيادات الشابة في السعودية ترى بالتقارب مع إسرائيل أو ربما التحالف معها مسالة تعود بالنفع على السعودية، وفي سبيل ذلك تتراجع السعودية عن مبادرة العربية للسلام إذ بدأت أصوات سعودية قوية تدعو للتطبيع مع إسرائيل قبل حل قضية فلسطين، ولم نسمع على سبيل المثال أن السعودية قامت بنفي هذه التهم أو محاسبة الجنرال أنور عشقي ومن معه على زيارته للكيان الصهيوني اكثر من مرة، وهي زيارات توصف بانها استكشافية وتوطئة لخطوة قادمة.
وحتى نكون واضحين، لم تعد السعودية بحاجة إلى منطقة عازلة تحميها من إسرائيل وبخاصة بعد اتفاقية أو لنقل صفقة صنافير وتيران، وعليه سيكون الأردن من أكبر المتضررين لو تجاوزت السعودية الاجماع العربي المنصوص عليه في مبادرة السلام العربية وبدأت بالتقارب مع إسرائيل لتشكيل جبهة موحدة لمواجهة إيران، مع أن السعودية لا تحتاج لإسرائيل وهي تحت الحماية الأمريكية، فلا إيران ولا غيرها يمكن له مجرد التفكير في الاعتداء على السعودية لأن الولايات المتحدة تعتبر الخليج برمته ملفا امريكيا خالصا لا تسمح لإيران أو روسيا من الاقتراب منه، وقد شاهدنا هذا الفيل من قبل عندما قادت أمريكا تحالفا دوليا لتحرير الكويت.
فمصلحة الأردن أن تقوم دولة فلسطينية مستقلة متواصلة جغرافيا وعاصمتها القدس، ومن مصلحة الأردن أن تتم معالجة ملف اللاجئين وبخاصة وانها تستضيف 40% من اللاجئين الفلسطينيين، وأي حل يتجاوز هذين المعيارين سيلحق ضررا كبيرا بمصالح الأردن، وللتذكير يجري حديث عن حل اقليمي سيحمل الاردن مزيد من الاعباء بدلا من التخفيف من وطأة استمرار الوضع القائم. وعليه ينبغي على الاردن أن يتوجس كثيرا من امكانية اختراق إسرائيل للعمق العربي من خلال بوابة السعودية المتذرعة بالخطر الايراني، فمصالح الاردن الجيوسياسية تتعرض لتهديد أن قامت السعودية بأي ترتيب يعفي اسرائيل من حل قضية فلسطين وفقا على الاقل للمبادئ الرئيسة التي توافق عليها العرب في قمة بيروت.
بكلمة، السعودية تبقى دولة شقيقة كما هي قطر وكما هي بقية دول الأزمة، لكن حان الوقت لأن يضع الأردن مصالحة الجيوسياسية على سلم الاولويات وأن لا تدفعه حاجة تسديد العجز في الموازنة إلى التغاضي عما يمكن أن يقوم به الاشقاء ويلحق ضررا بمصالحنا، وبتقديري هناك خيارات في السياسة الخارجية الاردنية وهناك ضرورة لتنويع هذه الخيارات واحداث استدارات أن تطلب الأمر، فموقع الاردن الجيوسياسي وحقيقة أنه نموذج الاعتدال في صحراء التطرف هما أهم من انتظار عوائد نفط الخليج.