ترقبوا قناة الحزب الجديدة ... ترقبوا قناة الحزب الجديدة ... ترقبوا قناة الحزب الجديدة ... ترقبوا قناة الحزب الجديدة ...

الشيخ كليب الشريدة

مقدمة :

ينحدر نسب البطل الأردني كليب بن يوسف بن شريدة بن رباع من عشيرة حماد ، التي كانت تسكن في وادي بن حماد في الكرك جنوب الأردن ثم انتقلت شمالاً شأنها شأن العديد من العشائر الأردنية التي انتقلت بحثاً عن الأمن وهرباً من البطش والظلم في ظل انعدام الدولة إبان فترة الاحتلال العثماني الذي كان يحكم المنطقة بالوكالة، واستقرت بهم الأمور في بلدة “تبنه” التي كانت تقطنها عدة عشائر أخرى، وهي بلدة في لواء “الكوره” في محافظة اربد شمال الأردن وقد أثبتت دراسات قام بها باحثون من جامعة تورنتو الكندية أن أقدم علامات الاستيطان البشري في البلدة تعود للعصر الحجري، وتتميز منطقة لواء الكورة بطبيعة جغرافية مميزة ، حيث زنرتها الجبال و سيجتها الأودية والغابات المتشابكة ، مما جعل من محاولة السيطرة عليه من القوى الخارجية، ضرباً من ضروب المستحيل.

وقد قام كليب الشريدة خلال فترة الاحتلال العثماني بإنشاء حكم محلي ذاتي مكتمل الأركان في منطقة لواء الكورة الذي يشمل حالياً 22 قرية ، إضافة لقرى أخرى كانت تتبع له في ذاك الوقت أهمها دير يوسف وبيت يافا و زوبيا وعنبة، وقد نجح كليب الشريدة في الحفاظ على وحدة وتماسك مناطق وعشائر اللواء وكان له الدور الكبير في حماية السكان ومصالحهم والاهتمام بتوفير الخدمات لهم في ظل فشل العثمانيين في تلبية احتياجات السكان والقيام بمهماته وواجباته تجاههم والتي كان يفترض أن يقوم بها لو تعاملنا مع تواجده في الأردن كدولة.

لم ينصف التاريخ والمؤرخون الزعيم الوطني الأردني كليب الشريدة كما يستحق، ونقدم في هذا البحث تحليلاً لكافة جوانب شخصية كليب الشريدة والأحداث التي ارتبطت باسمه ، ولعل ثورة الكوره أكثرها إثارة للجدل ، نتيجة الغموض الذي لفها وعدم الدقة في طرح تفاصيلها خلال العقود الماضية.

الولادة والنشأة :

ولد كليب بن يوسف بن شريدة بن رباع في عام 1865 ونشأ وتعلم في مدرسة الزعامة التي لا تمنح بل تؤخذ، والتي ورث واكتسب صفاتها من والده الشيخ يوسف الذي كان مثالاً للدبلوماسية والحنكة، والتي مزجها كليب بما ورثه عن جده “شريدة بن رباع” من قوة وشجاعة وميل إلى الحزم والحسم ورفض الظلم ومحاربته، فقد قام جده برفض الضرائب العثمانية التي أرهقت السكان في ذاك الوقت، وردّ على رفع الضرائب بالدخول برفقة فرسان من لواء الكورة لدار سرايا في إربد والقضاء على الوالي العثماني بداخلها، كما انتصر وقواته على القوات العثمانية ودحروها في عدة مناسبات ، مرة عندما حاولت الدخول لمناطق نفوذه عن طريق “عنبة” ، وأخرى عندما أرسل الوالي العثماني أحمد الجزار قواته بقيادة “الوني” فهزمهم شريدة وفرسان الكورة وقتل ” الوني ” قرب منطقة كفريوبا وهربت قواته، فأثارت هذه الأحداث حقد العثمانيين ضده لما استشعروا خطره على تواجدهم وسلطتهم، فاستدرجه الوالي بالحيلة وبالغدر طالباً منه السلام عليه عندما سمع بمروره من منطقة المزيريب في درعا لحضور حفل زفاف، فقاموا بحبسه وصدر حكم إعدامه بالسيف، وتم تنفيذ الحكم بحقه عام 1831 بعد أن فشلت كل محاولات التفاوض مع العثمانيين من أجل الإفراج عنه وتحريره، ويذكر المؤرخون أن الناس قالوا له حين صدر الحكم ولم تنجح المفاوضات للإفراج عنه : “يا شريدة ما انقبل فيك رجا” قال: “وأني ما كنتش أقبل رجا*” . ( * أني : أنا بلهجة أهل حوران الأردنية).

وقد جمع كليب أمجاد البطولة والرجولة من كل أبوابها ، فإلى جانب ما ورثه عن والده وأجداده ، فقد تربى كليب منذ طفولته في مدارس الزعامة التي لم يرثها من رجال عائلته فحسب ، بل كان لأخوال أبيه وأخواله الأثر في ذلك فجدته لأبيه هي موزة عبيدات التي كانت تحمل صفات الأميرة و الشيخة وتتميز بالكثير من الذكاء والحكمة كما وصفها المؤرخون والرواة، وكذلك أمه الشيخة فهيدة الزعبي التي كان عمها حسام الصالح الزعبي شيخ مشايخ حوران في عهده.

سبب التسمية :

تختلف الروايات حول سبب تسمية الشيخ كليب، لكن يبقى السبب الأبرز كما يعتقد أن تسمية كليب جاءت تيمناً بشخصية أردنية تاريخية هي الفارس البطل كليب بن سلامة بن رشيد الفواز، الذي انتصر على الوالي العثماني في معركة الجابية عام 1705 ، ثم قتله العثمانيون غدراً في خيمة الوالي عام 1709، وقد درجت العادة أن يسمي الأردنيون أبناءهم بأسماء كبار الشيوخ و الأبطال و الزعماء الأردنيين أملا وتفاؤلا باستمرار و انتقال الروح الوطنية الأردنية عبرهم .

شخصية كليب الشريدة :

تربى الشيخ كليب في سنين حياته الأولى في كنف والده الشيخ يوسف وكان يرافقه ويتعلم منه فدرج على مدارج العز والكرامة، وتربى على الخصال الأردنية الأصيلة كالشهامة والفروسية والكرم ورفض الظلم وحماية الجار والدخيل وإكرام الضيف، كما ساهمت وفاة والده يوسف عام 1877 في تحمله المسؤولية وتفتح مدارك الشباب والوعي لديه بالرغم من صغر سنه ، كما استفاد من التنوع الذي كان يلمسه ما بين حياته في تبنه وزيارات والدته لأخواله في خربة غزالة في حوران الأردنية والذين كانت لهم الزعامة في منطقتهم في ذلك الوقت، ولا بد للطبيعة أن تترك أثرها في جبلة الناس وأخلاقهم وتكوينهم النفسي والجسدي ، فقد أثرت به وعورة التضاريس وصعوبتها وقسوتها، وعوّدته على تحمل المكاره والصعاب وقوة الشكيمة، ومضاء العزيمة وحب الحرية والاستقلال الفطري، والجهر بالقول والرأي، مهما ترتب على ذلك من مسؤوليات وأعباء، وإلى جانب كل هذا كان قوي البنية الجسدية وفارسا ماهرا ، يجيد ركوب الخيل في الأرض السهلة والوعرة وفي كل الظروف.

ومن الصفات الإنسانية المشهورة في شخصية الشيخ كليب والمعروفة عنه أنه كان لا يأكل مع الضيوف ولا المعازيب في مضافته، بل يبقى حتى يأتي وقت الأطفال والصغار ويجلس معهم ليطعمهم ويقطع لهم اللحم ، وكان يأكل مع ذوي الإعاقة ويطعمهم بيديه وبعضهم معروف بالاسم حتى اليوم.

الحكم المحلي في العهد العثماني:

برزت ملامح الشخصية القيادية على الشيخ كليب منذ شبابه فقد كانت مضافته عامره بالضيوف والمستجيرين به ، ونتيجة لفشل الحكم العثماني والظلم الذي كان يمارس على المناطق الخاضعة للاحتلال، لجأت الزعامات المحلية في المنطقة لتقوية أركان الحكم وإنشاء مناطق حكم ذاتية، فبدأ كليب يشكل التحالفات مع القوى المحيطة، لتقوية الحكم وتوفير الأمن المفقود في ذاك الوقت في المناطق المجاورة، ونجح في حماية مصالح الكورة و أهاليها، الذين شكلوا العمود الفقري لاستمرار مشيخته وزعامته ومدها خارج حدود منطقته، وكان فخوراً بحب الناس له وولائهم وتقديرهم لما يقوم به لأجلهم، وقد اهتم كليب بأركان الحكم الذاتي من كافة الجوانب كما يلي:

الأمن والتحالفات :
كان من الضروري بالدرجة الأولى الاهتمام بالجانب الأمني في ظل غياب الدولة والافتقار لمبدأ سيادة القانون في العهد العثماني، واعتماد العثمانيين على أسلوب إثارة الفتن لكسب ود بعض العشائر ومعاداة عشائر أخرى لتسهيل مهمتهم في الحكم بالوكالة، فاعتمد كليب على أسلوب بناء التحالفات ما بين عشائر الكورة من جهة، وعشائر وزعامات المناطق المجاورة من جهة أخرى، فأسس قوات من فرسان وشباب ومحاربي عشائر الكورة تجاوز تعدادها ألف بواردي (محارب مسلح) ، فشكل تحالف الإنسان مع الإنسان من جهة و ومن جهة أخرى تحالف الإنسان مع الطبيعة المحيطة به في المنطقة ذات التضاريس الوعرة التي تحيطها الأودية والجبال من كل جوانبها، عوامل تجعل منها لا تقهر وأفشلت كل محاولات اقتحامها من القوى الخارجية.

المضافة:
قام كليب بإعادة استخدام مضافة والده وأجداده (العلالي) التي حولها إلى مؤسسة حكم ذاتي ذات هيبة، فجعل لها خدماً وحرساً وعمالاً يقومون على خدمة الضيوف والمحتاجين ورواد المضافة، وقد تم تأمين ميزانية كافية من خلال مساهمة الفلاحين بالمال، مع تقديم الخدمات الأساسية لهم تشمل تأمين حمايتهم وصون ممتلكاتهم وتقديم العون عند الحاجة وحل مشاكلهم وتحصيل حقوقهم بشكل عادل، وكان ذلك شكلاً من الحكم الذاتي الحقيقي، نشأ في غياب سلطة الدولة العثمانية التي كانت تحكم بالوكالة، والتي كانت تفشل في السيطرة على كثير من المناطق الداخلية، ولم تكن قادرة على مواجهة الزعامات المحلية المتنامية آنذاك ولمواجهة ذلك الوضع قررت الآستانة إنشاء مديرية ناحية الكورة، لتخلق نوعاً من الحكم اللامركزي الذي لم يرفضه الشيخ كليب، لكنه بحكمة وقوة تمكن من الاحتفاظ بأهم صلاحياته، ولم تجد المديرية الجديدة مناصاً من التعاون معه، والقبول بتدخلاته وإملاءاته المتواصلة، في سبيل تجنب الصدام معه ومع الأهالي الذين يدينون له بالولاء والمحبة، خصوصاً مع توحد عوامل التحالفات بين عشائر المنطقة وثقتهم بكليب الذي انتهج نهجاً ديمقراطياً مبكراً في الحكم، فكان نهج كليب في اتخاذ القرارات هو نهج الشورى و الحوار، حيث كانت المضافة مقراً للاجتماعات الدورية بين ممثلين عن بلدات وعشائر اللواء، فلم يكن الشيخ كليب بالحاكم المستبد المتزمت برأيه ، بل كانت القرارات تتخذ بالمشورة وهو ما جعل الحكم ثابتاً ومتماسكاً في وجه كل المحاولات الخارجية لزعزعته، وبذلك أصبحت المضافة توازي قوة وفعل السرايا بل تتفوق عليها بكل ما تقوم وتتميز به مؤسسة الحكم المدني والشرعي.